الصفقة قصة قصيرة

عدد الرسائل : 9 تاريخ التسجيل : 03/02/2008

قصة بقلم / مختار محمود

"يا فجر القضية اللي باين في قلب التاريخ
وشمتك عروسة في صدر الخريطة
وجوا الخريطة غشاء البكارة يضيع "

أعرفك بجلبابك المرقع ، ووجهك المستدير ، وعينيك الضيقتين ، ولون بشرتك الطيني ، تجرجر خلفك قبقاب الجميز ، فيصنع أثرا متصلا علي رماد الطريق ، تنظر إليه ونظرك في اتجاه السماء " إحنا رابحين فين ؟ "فلا يرد وهو يعلم ، وأنت لا تعلم انه يعلم !
يقبض ساعدك الرفيع الأيسر بيده الغليظة اليمني ، تلهث خلفه وهو واسع الخطو ، وأنت تلتفت حواليك ليعلق نظرك بالمارين ، فلا يعبأ ون ولا تمل ولا يكترث ، أنفك الدقيق يؤكد أنك لا تشم ما يحاك لك ! ، ورأسك الذي يشبه الكرة الشراب دفعه أن يتصرف معك هكذا ، غير أن أذنيك الصغيرتين جعلته يتعامل معك بشيء من الحذر ، فيطمئنك بين الحين والحين حتى لا تتمرد " ماتخافش هنرجع بسرعة " .
وعندما تجلسان لتستريحا يذهب في تفكير بعيد ، يعيد حساباته ، ورأسه (1)بين كفيه ، تعبث في كعبك وأظافرك ، وقبقابك يسد الطريق ، وتترك مساميره أثرا أسفل إبهامك ، فتتف عليها وتمسحها باللعاب.
عقلك في مسقط رأسك حيث حلقة الأطفال لا تكف عن الصياح والغناء ، يصنعون قاطرة : الخلفي ممسك بذيل جلباب الأمامي ، وصوتهم يأتي ممتلئا وقويا مصحوبا بضربة قدم تهتز لها الجدران الطينية " أنا العصفور الأخضر (2)الأخضر … أمشي علي الحيطة واتمخطر …مرات أبويا دبحتني ..وابويا الندل(3) كل (4)لحمي ."
ولن يمهلك تتذكر الأنشودة كاملة ، وأنت أيضا لا تحفظها وكنت تدندن بها فقط ،وخاصة حينما يرد ذكر أختك (5) فتقف وترفع قبقابك إلي إبطك ، وقدماك حافيتان ستأخذ حرارة الطريق من جلدها طبقة ، وسيوقفك خارج الكهف (6) تعبث بأصابعك وتفرقعها ، و يغيب يغيب ثم يظهر متقدما لرجلين أحدهما أصلع تملأ وجهه لحية كثة ، وآخر يغمغم كثيرا بصوت غير مسموع ، تلمع عيونهما حين تبدو هادئا ، وتواري خرقا في ذيل جلبابك حتى لا تبدو قدمك النحيلة ، وحين يضع الأصلع يده علي كتفك ليد يرك أمامه تنطرها بعيدا فيبتسم ابتسامة صفراء ويدور هو حولك .
وأنت مكانك يتقاطر الناس عليك ، وعند انتصاف النهار يحترق شعرك المجعد ويغلي رأسك بحكاية العصفور الأخضر وزوجة الأب ، والأخت المخلصة ، وتقف في طابور لا تعرفه ولا يعرفك ، ويأتي صوت حامل الجرس الصغير ، ينعق فيصفق الواقفون ، وحينما تصعد إلى كفة الميزان ليعادلوك ذهبا لا يستطيعون ، فينعق الناعقون أن عادلوه نحاسا أو حديدا أو رصاصا ..فلا ترجح كفتهم ، وأنت واقف في الكفة الراجحة وترمقه يقف بعيدا مبتسما ، وما زالت أسنانك تقضم أظافرك ، وعيناك زائغتان بين الوقوف ، وكفتهم ممتلئة بالحلي (7)
والصواريخ وقطع الحديد وبقايا الدبابات وأجنحة الطائرات وبقايا مصانع ( Cool

وجماجم تلاميذ مدارس ورؤوس لا تستطيع تصنيفها ولن تستطيع ، وأوراق قديمة ورجال كأنصاف النساء وعوازل ذكرية ونهود ، ومع ذلك لا ترجح ، ويؤكد الكهنة والعرافون أن كفتك لن ترتفع وأن كفتهم لن ترجح ، وينتف الأصلع ذو اللحية الكثة لحيته ، ويتوه صواب الآخر ويرتفع صوته وتشيب رؤوس الواقفين ، ولا أدري ماذا حدث لك بعد ذلك . كل الذي أعلمه أن اللحية الكثة أخذتك ورأسك مستدير إلي الخلف تراقب حذاء أبيك الفاقوسي ، والواقفون يقبلونه ويحيونه علي ما أنجز ، ودمعتك ساخنة تسقط فوق جرح القبقاب فيبرأ ….
" وطلع بعد كدا عصافير كتير خضر
لأ طلعت غربان سودا ..وجماجم
وتاريخ مكتوب بالدم
وطابور من أطفال مردة "
ولم تنته الحدوتة عند هذا الحد بالرغم من توقف العصفور الأخضر عن المشي والبخترة فوق الحائط ، وسيري المتتبعون لحبكة القص أن العقدة لم تأت بعد ، وأهل اللغة سيغيرون (مرات) إلى زوجة ، وسيعتقد المحللون السياسيون أن الأخت أخطأت حين دفنت عظم أخيها تحت عتبة البيت ، والمتلقي العادي سوف يربط بين العنوان وبيت الشعر ، والمتلقي الفذ سوف يناقش مسألة الميزان ، وأنت سوف تذهب خلف اللحية الكثة ، لا تعرف ما يراد بك ولن تعود مرة أخري مخلّصا أو صلاح الدين.
***********************************
1- الذي لا يشبه الكرة الشراب بل تشبه كسر الزجاج
2- كان غالبية الهتافة يخرجون حرف الخاء كالغين
3- الندل : العرس
4- بالبحث في الفلكلور الشعبي وجد أنه "باع لحمي" وليس "كل لحمي" مع كون "كل لحمي" منطقية إلا أن "باع لحمي" هي الرواية المعترف بها 5- يأتي إمتداد بعد ذلك للأنشودة يفيد أن أخته أخذت العظم ودفنته في صحن الدار وهذا ما يؤكد منطقية "كل لحمي "
6- التي هي محرفة عن الكامب
7- لم يتم تحديد عيار الحلي لكون كلمة عيار مرتبطة بموضوع الحرب
8- يؤكد المدعو أبوك أنها مصانع بسكويت وهامبورجر ويعتقد المدققون أنها حربية
[/b]
- تمت -

مشكور
لكني لم افهمها كليا

عدد الرسائل : 9 تاريخ التسجيل : 03/02/2008

شكرا لمرورك الكريم
ومعذرة للخطأ الحادث في مسمى القصة

عدد الرسائل : 1 تاريخ التسجيل : 26/02/2009

مشكووور
تحياتي لك

» واحد...النكت قصيرة و رائعة..ههه