قال الفتى لأستاذه الشيخ :
ألا تحدثني عن سـنـمـار هذا الذي كثر الحديث عنه ؟ و ما شأنه ؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى :
" قالوا يا بني أنه رجل رومي بنى للنعمان بن المنذر قصرا أو قصرين لا أدري بالضبط ؛ فلما أتم عمله على أحسن وجه
و أكمله ؛ رضي النعمان عنه ؛ و لكنه أشفق أن يبني لغيره من الملوك مثل ما بنى له ؛ فأمر فألقى به من أعلى القصر
فاندقت عنقه فمات . و الناس يضربونه مثلا لمن يقدم إلى الناس خيرا و إحسانا فيجزونه بالشر و المساءة . و لكن في الدنيا
أفراد كثيرين يمكن أن يسمى كل واحد منهم سنمار و لكنه يلقى ما لقي الآخر فلا تندق عنقه ؛ و يساق إليه الشر فلا يؤذيه ؛
و يكاد لك الكيد فلا يبلغ منه شيئا تستطيع أن تسميه سنمار الخالد ؛ لأنه لا يبني لأصحاب السطوة و البأس و إنما يبني
للشعوب ؛ و لأنه لا يبني للشعوب قصورا تبلى و يدركها الفناء و إنما يبني لها فنا و أدبا و فلسفة و علما و إصلاحا . ألا
تذكر مصارع النابغين من الأدباء و العلماء و الفلاسفة ؟
ألا ترى أنك لا تزال تستمتع بآثارهم ؟
قال الفتى : بلى و سيستمتع معنا بآثارهم حتى يرث الله الأرض و من عليها .
طـه حسين ( جنة الشوك )